كل شيء عن الصداقة
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. حياتنا مليئة بالمغامرات والأحداث الكثيرة. ونمر في فترة طفولتنا بمعظم التجارب الجديدة والمثيرة التي تسعدنا وتسلينا، مثل اللعب بالطائرة الورقية، أو بناء قلعة رملية على الشاطئ، أو لقاء طفل آخر يشبهنا. نلعب معًا، ونرسم معًا، ونضحك معًا. طفل ليس من عائلتنا لكنه قريب من قلوبنا، ونحب قضاء الوقت معه.
كيف نبني صداقات طيبة وصحية مع هؤلاء الأرواح التي تشبهنا يا تُرى؟ وكيف نحافظ عليهم؟ وماذا نفعل عندما نختلف أو نتشاجر؟ اسئلة كثيرة دارت في عقولنا عندما كنا صغارًا. وهذه الاسئلة نفسها تدور في عقول أطفالنا اليوم. ولحسن حظهم هناك كتاب "كل شيء عن الصداقة" للإجابة عن كل هذه التساؤلات.
"كل شيء عن الصداقة". كتاب اجتماعي ووجداني. عام وشامل لكل مواضيع الصداقة. مناسب لعمر ثلاث سنوات فما فوق. وهو من إصدارات دار الشروق، للمؤلفة: فليسيتي بروكس، وترجمة: رحاب بسّام. رسوم: مار فريرو، وتصميم: فرانكي آلان.
غلاف الكتاب:
هذا اللون الأحمر المائل للزهريّ لطيف وهادئ، ويرمز للمحبة والود، مما يجعله مناسبًا لموضوع الصداقة. هو لون جذاب للأطفال، ويعطي إحساسًا بالدفء والارتباط العاطفي. نلاحظ أيضًا الرسوم المختلفة لهؤلاء الأطفال، والتنوع في الأنشطة التي يقومون بها. اللعب، والتفاعل مع الحيوانات الأليفة، والتحدث مع الكبار، يعطي الطفل صورة واسعة عن مفهوم الصداقة، ويشجعه في تأمل علاقاته الخاصة. وضع المصمم بذكاء كل هذه الرسوم بطريقة دائرية، محاطة بالعنوان، كي يدل على التواصل، ويوحي بالاستمرارية والترابط. كلها تعزز فكرة أن الصداقة تدوم وتنمو وتتطور.
المواضيع التي تناولها الكتاب شاملة لكل ما يمكن أن نفكر به في الصداقات، وترتيبها منطقي ويساعد النقاش والحوار مع طفلك بطريقة تفاعلية وممتعة. سأذكر هنا ثلاثة مواضيع، وأعطي نبذة عنها.
لماذا نحتاج إلى الأصدقاء؟
عبّرت المؤلفة عن هذا الموضوع بأسلوب تاريخي، وهو وسيلة ممتازة لتكون بداية للكتاب. كما نرى، الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، فهو يعتمد على الآخرين للبقاء والنجاة. العيش في مجموعات ساعدنا على حماية أنفسنا من الأخطار، والتكيف مع الظروف القاسية. لاحظ كيف ربطت المؤلفة مفهوم التعاون في العصر القديم وبين التعاون في المدرسة بين الطفل وأصدقاءه اليوم. في هذا السرد بإمكانك الحوار مع طفلك حول ماهية التعاون قديمًا، وأوجه التشابه بينه وبين الحاضر.
ذهبت المؤلفة لأبعد من ذلك، فالإنسان لا يحتاج الأصدقاء لمصلحة النجاة والعيش فقط، وإنما لكي يشعر بالتقدير والحب كذلك. الصداقة أكثر من مجرد حاجة بيولوجية. الإنسان يحتاج لمشاعر التقدير والانتماء، حيث تساعده على التطور الأخلاقي والنفسي. وشعور الطفل بالحب والقبول من أقرانه مهم كثيرًا في نموه من جميع النواحي.
عندما يتشاجر الأصدقاء:
حتى أفضل الأصدقاء أحيانًا يتشاجرون أو أيضًا يتعاركون. لكن لا بأس فهذا طبيعي في عالم الطفل. معظم الخلافات تحدث بسبب سوء الفهم، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر بطريقة صحيحة. فعندما يشعر الطفل بالغضب، أو الإحباط قد يصرخ ويتصرف بعدوانية دون أن يوضح ما يزعجه، لذلك اقترحت المؤلفة حلولًا متنوعة لفهم مشاعرنا، أو مشاعر أصدقاءنا عن طريق خطوات بسيطة نتبعها. في هذا الجزء، تستطيع أن تمثّل مع طفلك المشاعر باختلافها، فالأمثلة الموجودة في الكتاب فرصة ممتازة للعب. هنا مقترح يمكنك تجربته:
مثلًا خذ القلم من طفلك واطلب منه أن يمثل الغضب، لكن بشرط أن يعبر عن شعوره بالكلام، وليس بالصراخ أو الضرب. واطلب منه أن يبدأ بكلمة "لو سمحت" ثم يطلب شيء محدد، وبعدها يقول كلمة "أنا" ثم يعبر عن السبب من مشاعره. في هذا المثال الإجابة ستكون "لو سمحت، أعد إليّ قلمي. أنا لا أحب من يأخذ أغراضي من غير إذن". بهذه اللعبة نستطيع تعليم أطفالنا مشاعر كثيرة، ويفهمون أنفسهم ويفهمون أصدقاءهم، ونقلل الخلافات.
ذكرت المؤلفة الإيذاء العاطفي باختصار، وهو موضوع مهم للطفل أن يفهمه جيدًا. فالتعبير عن المشاعر قد يُستغل بطريقة سيئة تؤذي أطفالنا. أحيانًا، قد يتصرف أحدنا بطريقة تؤذي مشاعرنا، يجعلنا نشعر أننا مذنبين دائمًا، أو يشككنا في أنفسنا، أو يتوقف عن الحديث معنا فقط لأننا لم نفعل ما يريده. هذا يسمى إيذاء عاطفي، وهو غير صحي.
التغير والنمو:
الصداقات تتطور، وتتغير بمختلف الطرق. فنحن في نمو مستمر، فقد تتغير اهتماماتنا، وأحلامنا، قد ننتقل لمدرسة جديدة، أو نكتشف قيم جديدة نريد أن نغرسها في أنفسنا. وأحيانًا لا ينمو أصدقاءنا في نفس الاتجاه والطريق الذي اخترناه، ثم نفترق. لا لشيء سيء، بل لأن الحياة تتحرك ونحن نتحرك معها.
من المحزن أن تنتهي الصداقات، وربما نتألم أحيانًا. لكن هذا لا يقلل من قيمة تلك الصداقة، بل يؤكد أنها كانت مهمة جدًا. كما أننا نخرج منها أكثر فهمًا لأنفسنا، ولما نحتاج تطويره في شخصيتنا. ناقش مع طفلك هذه الأفكار، وعلمه أننا عندما نخسر صديقًا، فإن ذلك يفتح الباب لأن تنمو صداقة جديدة.
العديد من المواضيع الكثيرة التي تناولها الكتاب، وهو حقًا ممتع للقراءة مع طفلك أو حتى القراءة الجماعية مع العائلة. يوجد في آخر الكتاب ملاحظات خاصة للكبار، وهي مفيدة للوالدين في كيفية قراءة الكتاب مع أطفالهم، بحيث يعطي أمثلة لكل صفحة، ونشاطات مقترحة لتجربتها أثناء القراءة.
الصداقة من أعمق العلاقات الإنسانية وأجملها. فهي مبنية على المحبة والتعاون والاحترام. وفي الإسلام، تأخذ الصداقة معنىً أعمق، فهي علاقة مبنية على حب الله، تعين على الخير وتبعد عن الشر، وتساهم في تشكيل الشخصية المؤمنة الطيبة. سأختم هذه التدوينة بآية 67 من سورة الزخرف عن الصداقة، لنتأملها ونتدبرها مع أطفالنا. والله ولي التوفيق.